هل طفلي مثل الأطفال الآخرين؟ رحلة فهم الفروقات الفردية وأهمية التدخل المبكر.
كثير من الأهالي يراقبون أطفالهم وهم ينمون خطوة بخطوة، ويبدأون بشكل طبيعي في المقارنة
"ابن صديقتي صار يحكي جمل كاملة، بينما طفلي ما زال يستخدم كلمات بسيطة"، بنت أخي تعرف الألوان، بينما ابني لا يهتم بها".
هذه الأسئلة تتكرر في ذهن كل أم وأب تقريبًا، لكن المهم أن نتذكر: ليس هناك طفل يشبه الآخر تمامًا. فكل طفل يتطور بسرعته الخاصة، وبأسلوبه الفريد.
الفروق الفردية بين الأطفال ليست نقصًا بل سمة طبيعية.
فقد يمتلك بعضهم مهارات متقدمة في جانب معين مثل اللغة أو اللعب أو التفاعل الاجتماعي، بينما قد يتأخرون في جوانب أخرى كالمهارات الحركية أو الاجتماعية. هذا التباين بين الاداء المرتفع والمهارات الأقل تطورا لا يعني بالضرورة وجود مشكلة، لكنه أحيانًا يشير إلى حاجة لمتابعة وتقييم مبكر لتقديم الدعم المناسب.
أين يصنع التدخل المبكر الفرق؟
التدخل المبكر لا يغير فقط من حاضر الطفل، بل يفتح له أبواب المستقبل.
طفل لا يتكلم بعد → بالتدخل المبكر قد يبدأ بالتواصل باستخدام كلمات أو صور.
طفل يجد صعوبة في التفاعل مع الآخرين → يمكن تعليمه تدريجيًا كيف يشارك اللعب ويتواصل اجتماعيًا.
طفل يعاني من سلوكيات صعبة → يتعلم بدائل أكثر إيجابية بفضل استراتيجيات مدروسة.
المقارنة الصحية vs المقارنة السلبية
المقارنة السلبية: "ابني متأخر، من المؤكد أن لديه مشكلة كبيرة".
المقارنة الصحية: "إبني يحتاج وقتًا ودعمًا أكثر، وأستطيع أن أساعده بخطوات مدروسة".
الفرق بين النظرتين يصنع فارقًا هائلًا في مشاعر الأسرة، وفي طريقة استجابتهم لاحتياجات الطفل.
خطوات عملية للأسرة
الملاحظة الدقيقة: تابعوا مهارات طفلكم دون مبالغة في المقارنة مع الآخرين.
التقييم المبكر: إذا لاحظتم تأخرًا واضحًا، استشيروا مختصين موثوقين.
العمل الجماعي: التدخل لا يقتصر على جلسات مع المختص، بل يمتد إلى البيت والمدرسة.
الاحتفال بالتقدم: حتى الإنجازات الصغيرة مهمة، مثل نطق كلمة جديدة أو الجلوس مع الأقران دقائق إضافية.
قصة أم لاحظت الفرق… وفهمت قوة التدخل المبكر
كانت أم خالد تجلس في جلسة عائلية، تراقب أبناء إخوتها يلعبون. لفت انتباهها أن ابن أختها، الذي يصغر خالد بعام، يستطيع تسمية الألوان والتفاعل مع الأطفال، بينما خالد يفضل اللعب وحده بالسيارات دون أن يتحدث كثيرًا.
بدأت تقارن في قلبها:
"هل ابني متأخر؟ هل طبيعي ألا يتكلم مثلهم؟ من المحتمل أنه يحتاج فقط بعضًا من الوقت…".
لكن كلما رأت الفرق، زاد القلق في داخلها.
في البداية شعرت بالحزن، وبدأت تسأل نفسها:
"هل أنا السبب؟ هل قصّرت معه؟".
ثم سمعت من قريبتها نصيحة بسيطة: "قومي باستشارة مختصين، قد يكون الأمر بسيطًا والتدخل المبكر يساعده."
نقطة التحول
ذهبت الأم إلى مركز مختص، وهناك وجدت من يستمع إليها ويقيّم مهارات خالد بدقة. اكتشفت أن خالد لديه قدرات قوية، لكنه يحتاج إلى برنامج تدخل مبكر في التواصل واللعب الاجتماعي.
بدأت الجلسات، وتعلمت الأم كيف تدعم ابنها في البيت بخطوات صغيرة:
تشجيعه على النظر في عينيها أثناء اللعب.
استخدام الصور والكلمات البسيطة للتواصل.
تعزيز أي محاولة منه للتفاعل مع الآخرين.
بعد أشهر قليلة
تغيرت حياة خالد. أصبح ينطق كلمات جديدة، ويجلس مع أبناء عمومته لفترة أطول، وبدأت شخصيته تظهر أكثر.
الأم تقول اليوم:
"كنت أقارن ابني بالآخرين فأشعر بالألم، لكنني تعلمت أن المقارنة الحقيقية هي بين خالد بالأمس وخالد اليوم. التدخل المبكر لم يغيره فقط، بل غيرني أنا أيضًا كأم، وجعلني أراه بعيون جديدة."
الدرس من القصة
كل طفل فريد بطريقة نموه، ولا يوجد مسار واحد يناسب الجميع. لكن التدخل المبكر هو المفتاح الذي يحول الفروقات الفردية من مصدر قلق… إلى فرصة للنمو والتطور.
الخلاصة
الفروقات الفردية بين الأطفال حقيقية وطبيعية، لكن التدخل المبكر هو الجسر الذي يساعد الطفل على عبور التحديات والوصول إلى أقصى إمكانياته. لا تقارنوا طفلكم بالآخرين، بل قارِنوه بما كان عليه بالأمس وستكتشفون كم هو قادر على التطور يومًا بعد يوم.