هل أنا وحدي من أشعر بهذا؟ رحلة مشاعر الأسرة بعد تشخيص طفلهم باضطراب طيف التوحد.
عندما يسمع الوالدان خبر تشخيص طفلهم باضطراب طيف التوحد، تصبح بداخلهم مجموعة من المشاعر، وكأنهم يعيشون دوامة من الصدمة والإنكار والخوف على المستقبل. قد يسأل أحد الوالدين نفسه: "هل أنا وحدي من يمر بهذه المشاعر؟" والإجابة ببساطة: لا.
جميع الأسر التي واجهت هذا التشخيص تمر بمراحل متقاربة من ردود الفعل، كما أشارت الدراسات، والكتب المتخصصة في مجال الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
دعونا نستعرض هذه المراحل الطبيعية، ونضع بين أيديكم نصائح عملية تساعدكم على عبور كل مرحلة بأمان نحو الأمل والتطور الحقيقي لطفلكم.
المرحلة الأولى: الصدمة والإنكار
كيف تظهر؟
عند سماع كلمة "توحد"، قد ينكر الأهل الأمر أو يقولون: "قد يكون التشخيص خاطئًا"، "ابني طبيعي، ولكن يُعاني فقط من تأخر في تطور المهارات". هذه ردة فعل طبيعية جدًا، لأنها محاولة لحماية الذات من الألم.
النصيحة:
خذوا وقتكم، لكن لا تتوقفوا طويلًا في هذه المرحلة.
البداية بجمع معلومات علمية موثوقة عن اضطراب طيف التوحد ويفضل من مراجع موثوقة أو اخصائيين ذوي خبرة عالية ومعتمدين في مجال الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد.
تذكروا أن الكشف والتدخل المبكر أثبت علميًا أنه أفضل خطوة لمساعدة الطفل.
المرحلة الثانية: الغضب واللوم
كيف تظهر؟
قد يسأل أحد الوالدين: "لماذا أنا؟"، "هل السبب وراثي؟"، "يمكن الخطأ من الطبيب أو المدرسة". أحيانًا يتحول الغضب إلى خلافات بين أفراد الأسرة.
النصيحة:
من الطبيعي الشعور بالغضب، لكن الأهم هو التعبير عنه بطريقة صحية (حجز استشارة مع المختصين، الدعم النفسي، محاولة البحث عن أطفال حققوا تطوراً ملحوظًا، خصوصاً بعد تشخيصهم باضطراب طيف التوحد).
لا تبحثوا عن "السبب"، بل ابحثوا عن "الحلول".
شاركوا مشاعركم واستفاراتكم مع اخصائيين معتمدين.
المرحلة الثالثة: الحزن والشعور بالفقد
كيف تظهر؟
يشعر الأهل وكأنهم فقدوا الصورة المثالية التي رسموها لطفلهم: "كنت أتخيل أن طفلي سيكبر ويعيش حياة طبيعية بدون تأخر وبدون مُشكلات". يرافق هذا حزن عميق وخوف من المستقبل.
النصيحة:
اسمحوا لأنفسكم بالحزن، فهذا أمر طبيعي.
حاولوا تحويل مشاعر الحزن إلى طاقة لتطوير مهارات الطفل من أجل مستقبل أفضل.
لا تنسوا أن العديد من الأطفال مع التوحد يحققون نجاحات مدهشة وذلك عند توفر الدعم المناسب.
المرحلة الرابعة: التقبل والتكيف
كيف تظهر؟
يبدأ الأهل بفهم التشخيص والاعتراف به، والتفكير في الحلول الواقعية. هذه المرحلة هي بداية الانطلاق نحو مساعدة الطفل.
النصيحة:
ابدؤوا بالتعاون مع المختصين لوضع خطة تدخل مبكرتناسب احتياجاتكم واحتياجات الطفل.
ركزوا على تنمية مهارات الطفل (التواصل، دعم السلوكيات الايجابية، المهارات الحياتية).
عززوا نقاط قوة الطفل بدل التركيز فقط على التحديات.
هناك مساران أمام الأسرة: أي طريق ستختار؟
بعد المرور بالمراحل السابقة، تقف كل أسرة أمام مفترق طرق:
الطريق الأول: البقاء في دائرة الحزن واللوم، مما يؤدي إلى ظهور مشكلات أكبر عند الطفل (تأخر في التواصل، سلوكيات غير مقبولة، صعوبة في التفاعل الاجتماعي).
الطريق الثاني: الاتجاه إلى التدخل المبكر وتنمية المهارات، وهو الطريق الذي أثبت نجاحه في مساعدة الأطفال على تنمية قدراتهم وتقليل التحديات السلوكية والنمائية.
خطوات عملية للتفادي تفاقم مشكلة الطفل وقدرته على بناء مستقبل أفضل:
لكي تستفيد الأسرة من التدخل المبكر وتتفادى المشكلات المستقبلية، يُنصح باتباع هذه الخطوات:
المعرفة أولًا: اقرأوا كتبًا وأدلة موثوقة ، ومصادر علمية أخرى
تلقي الاستشارة من فريق مختص: لتحديد قابلية الطفل لتلقي خدمات التدخل المبكر.
التعاون مع مختصين: محللي السلوك، معالجي النطق واللغة، معالجين وظيفيين.
الاستمرارية: التدخل المبكر ليس جلسات محدودة، بل نمط حياة متكامل يشمل البيت والمدرسة.
الأمل في التطور: تذكروا أن التغيير يحتاج وقتًا وصبرًا، لكن كل خطوة صغيرة تعني إنجازًا كبيرًا لطفلكم.
في النهاية، لستم وحدكم. كل أسرة واجهت هذا التشخيص مرت بهذه المشاعر والمراحل. لكن الفرق الحقيقي يحدث عند اتخاذ القرار: إما الاستسلام للمشاعر، أو تحويلها إلى دافع نحو التدخل المبكر وتنمية المهارات. الخيار بيدكم… والوقت أثمن ما تملكون.