اضطراب طيف التوحد
في مكان ما… في نقطة خفية من خريطة الدماغ، يحدث شيء لا تُمسك به أجهزة التصوير، ولا تفهمه خرائط العلماء حتى الآن.
ليس خطأ في التربية… ولا برود أم، ولا أب غائب، ولا شاشة مضيئة أطالت الجلوس أمامها. كل هذه الأكاذيب، حُذفت منذ زمن من قاموس العلم.
الحقيقة؟
الحقيقة أن الأمر معقد. جزء منه يُكتب في الشفرة الوراثية، في تسلسل جينات لم يخترها أحد، وجزء آخر ربما تحركه ظروف البيئة: سموم في الهواء، التهابات في جسد صغير لم يكتمل، أو ربما حدث صامت في رحم أم لا تعلم أن خلايا الدماغ وقتها تعيد ترتيب خارطة الإدراك والحواس والانتباه.
يذكر العلماء أن هناك مناطق في الدماغ عند هؤلاء الأطفال تعمل بطريقة مختلفة…
مستويات غير متزنة من السيروتونين – تلك المادة المسؤولة عن المزاج والهدوء وتنظيم السلوك – تتسلل إلى خلفية المشهد. خلايا عصبية تتحدث بلغة غير التي اعتدناها. إشارات تُرسل وتُستقبل، لكن على تردد آخر.
وفي المختبرات… يكشفون عن جينات مختلفة، تشبه المفاتيح التي فُقدت منها أسنان صغيرة، فلا تفتح الأبواب كما ينبغي. جينات مسؤولة عن النمو، عن تواصل الخلايا مع بعضها، عن بناء الجسور داخل الدماغ… تختل، فتختل معها طريقة استقبال الصوت، فهم الوجوه، إدراك المسافات، وحتى التعامل مع اللمس والضوء والضوضاء.
لكن… حتى الآن، تبقى كل هذه مجرد فرضيات. إشارات على الطريق، لا يقين في نهايتها.
ما هو مؤكد، ومكتوب بحبر العلم لا شك فيه، أن الأم ليست السبب.
ولا الأب.
ولا قسوة الحياة.
ولا طريقة التربية.
ومن موقعنا كمعالجين وظيفيين، لا نسأل "لماذا حدث؟"، بل "كيف نساعد؟". نبحث عن منافذ يدخل منها الضوء، نعيد تشكيل البيئة، نعزز الحواس التي تحتاج، ونهدّئ التي تصرخ طلبًا للراحة.
هكذا، نعيد رسم حدود العالم، ليصبح أكثر رحمة… وأكثر قابلية للفهم، لأولئك الذين يرون الحياة على موجة مختلفة. كل هذه هي خليط من التنوع والاختلاف يظهر لنا ما هو اضطراب طيف التوحد.