ما هو سبب اضطراب التوحد
على هذه الأرض… يولد بعض الأطفال وهم يحملون مفاتيح مختلفة.
على هذه الأرض… يولد بعض الأطفال وهم يحملون مفاتيح مختلفة.
مفاتيح لا تفتح الأبواب التي اعتدناها… لكنها تفتح أبواباً أخرى، غريبة، وعجيبة، وربما لا يفهمها إلا هم.
يولد الطفل، لكنه لا يلتقط الإشارات مثل أقرانه.
لا يفهم لماذا على الناس أن يتبادَلوا النظرات… أو لماذا يبتسمون في أوقات معينة…
قد يخاف من صوت بدا لنا عادياً… أو ينجذب لضوءٍ لا يراه أحد سواه بهذا البريق.
يحب أن يعيد الشيء مرةً… ثم مرة… ثم عشرين مرة… وكأنما التكرار يصنع له أماناً لم يجده في العالم الخارجي.
ولأن العلم يحب الأسماء… أعطاه أسماء كثيرة على مر السنوات:
أسبرجر… اضطراب نمائي… سلوكي… لغوي… أو ببساطة "هو مختلف قليلاً".
لكن الاسم ليس مهماً… فالحكاية أعمق من ذلك بكثير.
ما الذي يحدث؟
في مختبرات الأبحاث، حيث تُقرأ الشيفرة الوراثية بحروفها الدقيقة، اكتشفوا أن هناك جينات تخرج عن النص…
جينات مسؤولة عن بناء الدماغ… عن ترتيب الأسلاك الدقيقة التي تربط بين الخلايا… عن كيفية استقبال الصوت… وفهم الحركة… وموازنة الجسم… وحتى تفسير اللمسات.
الدماغ هنا يعمل، لكنه لا يعمل بالطريقة المعتادة.
تبدو أصوات الخلفية ضجيجاً لا يُحتمل… وتبدو الحركات المتكررة ملاذاً هادئاً وسط فوضى الحواس.
لا أحد يعرف لماذا تحديداً.
ربما جزء مكتوب في الجينات منذ أول خلية… وربما بيئة أثّرت على هذه الجينات وهي تبني دماغاً صغيراً في رحم أمه.
تلوث، نقص فيتامينات، التهابات، أو ربما مجرد صدفة بيولوجية. العلم لا يملك الجواب حتى الآن لسبب اضطراب التوحد.
لكن العلم يعرف شيئاً واحداً، وهو كافٍ لتمزيق آلاف صفحات الظلم القديمة:
لم تكن الأم يوماً السبب.
لم يكن الأب.
لم تكن الشاشات.
ولا التربية.
ولا الحنان الناقص.
هذا ليس خطأ أحد… ولا عيب أحد.
إنه فقط دماغ يقرأ العالم بلغة أخرى.
ومن حيث أقف كمعالج وظيفي… لا أسأل "لماذا هو هكذا؟"، بل أقول: "كيف أجعله مرتاحاً في عالم يصر على أن يكون بصيغة واحدة؟".
أساعده أن يعبر… أن يهدّئ فوضى الحواس حين تزعجه… أو أن يغذيها حين يحتاج.
أرتّب له العالم… ليكون أكثر عدلاً، أكثر ليناً، أقل صخباً، وأكثر قابلية للفهم.
لأنهم لا يحتاجون علاجاً… بقدر ما يحتاجون عالماً يفهمهم.